Telegram Group & Telegram Channel
#مسائل_علوم_القرآن |
السؤال: هل جَرْس ألفاظ القرآن من وجوه إعجازه؟ وما رأيك في تسمية ذلك بالإعجاز الصوتي؟

الجواب:
الحديث عن جرس الألفاظ وتناسبها وتأثيرها وصلة ذلك بطريقة الأداء تكتنفه صعوبات، وقد أحسن بعض العلماء والكتاب في الحديث عن بعض جوانبه، ولا يكاد يخلو الحديث عنه من خطأ وتكلّف، لكثرة الاعتماد فيه على التذوق، وهو مما يتعسّر ضبطه.
ولا يُنكر أن لجرس الألفاظ تأثيراً ملحوظاً، ولذلك فإنّ القرآن قد يسمعه الأعجمي الذي لا يحسن العربية فيُرى تأثره الشديد به.
ولو قيل: إن هذا مما يختص به القرآن لعُزي ذلك إلى ما أودع الله فيه من البركة والخصائص، وهذا أمر لا ينكر، لكن ليست هذه العلة، ودليل ذلك أن من الأشعار والأمثلة السائرة، والعبارات المؤثرة ما يحسّ بأثره الشديد في النفس،
ولا سيما ما يؤدّى بصوت مؤثر، فإن أثره على كثير من الأرواح يكون مشاهداً معلوماً ، وهو يشبه تأثير المعازف من وجه، وكان مما تكرر في أشعار العرب وصف شدّة تأثرهم بنوح الحمام:
قال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
ربّ ورقاء هتوف في الضحى ... قد صدحت من فَنَنٍ عن فنن
ربما أبــكــــى فلا أُفـهمـها ... وهي قـد تبــكي فلا تـفهمني
غـيـر أنـي بالجــوى أعـرفـها ... وهي أيضاً بالجوى تعرفني

وقال آخر:
ألا قاتل الله الحمامة غدوةً ... على الأيكِ ماذا هيّجت حين غنّت
تغنّت غناء أعجمياً فهيّجت ... جوايَ الذى كانت ضلوعي أكنّت

وقال حميد بن ثور الهلالي:
إذا شئتُ غنّتني بأجزاع بيشة .. أو النخل من تثليث أو من يَبَنْبَما
مطوّقة خطباء تصدح كلما .. دنا الصيف وانزاح الربيع وأنجما
عجبتُ لها أني يكون غناؤها .. فصيحاً ولم تفغر بمنطقها فما
فلم أر محزوناً له مثل صوتها .. ولا عربياً شاقَه صوتُ أعجما

ولعل من تفسير تأثير تلك الأصوات المتناغمة على النفس أنّ النفس كانت مكتنزة بمشاعر وأحاسيس اكتناز المآقي بالدمع الحائر؛ وهي تتطلّب التنفيس ولا تجد إليه سبيلاً؛ فكانت تلك النغمات سبيلاً للتنفيس،
ومستثيرة لدفائن النفس.
وممن أحسن التعبير عن هذا المعنى العوام بن عقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى حيث قال يبكي على امرأة كان يريدها؛ فماتت فتصبَّر عن البكاء عليها حتى سمع صوت حمامة تنوح فهيّجت ما في نفسه فبكى وأنشد يعاتب نفسه على البكاء:
أأن سجعت فى بطن وادٍ حمامةٌ ....... تجاوب أخرى ماء عينيك غاسق
كأنك لم تسمع بكاء حمامة ....... بليلٍ ولم يحزنك إلف مفارق
ولم تر مفجوعا بشئ يحبه ....... سواك ولم يعشق كعشقك عاشق
بلى فأفق عن ذكر ليلى فإنما ....... أخو الصبر من كف الهوى وهو تائق

ومثله قول عدي بن الرقاع العاملي
ومما شجاني أنني كنت نائماً ... أُعَلّلُ من فرطِ الجوى بالتنسّمِ
إلى أن دعت ورقاء في غصن أيكة ... تردّد مبكاها بحسن الترنم
بكتْ شجوها تحت الدجى فتساجمت ... إليها غروب الدمع من كل مسجم
فلو قبل مبكاها بكيتُ صبابة ... بسُعدى شفيتُ النفس قبل التندم
ولكن بكت قبلى فهيّج لي البكا ... بكاها فقلت: الفضل للمتقدم

وتُروى هذه الأبيات لنُصيب ولابن مقبل.

ومما ذكره المبرد في الكامل أنّ رجلاً من العرب سمع جارية فارسية تغنّي غناء فارسياً، ولم يفهم كلامها لكن وصف شدّة تأثّره بما سمع فقال:
حمدتُكِ ليلةً شرُفتْ وطابتْ ... أقام سهادُها ومضى كراها
سمعتُ بها غناء كان أولى ... بأن يقتادَ نفسي من عناها
إلى أن قال:
ومسمعةٍ يحار السمع فيها ... ولا تُصْمِمْه لا يَصْمُم صداها
مَرَت أوتارَها فشَفَت وشاقت ... فلو يسطيع حاسدُها فداها
ولم أفهمْ معانيَها ولكن ... وَرَت كبدي فلم أجهل شجاها
فكنتُ كأنني أعمى معنَّى ... بحبّ الغانيات وما يراها

فهذا الشاعر قد تأثر من جرس الألفاظ الأعجمية تأثراً شديداً لتناغمها على مسمعه، وأداء المغنيّة بصوتها الذي أشجاه.
وقد ذكر أبو هلال العسكري أن هذا الرجل هو أبو تمام.

وقال سويد بن أبي كاهل اليشكري في وصف امرأة حسنة الحديث:
وَدَعَتْني برُقاها إنها ..... تُنزل الأعصمَ من رأس اليَفَع
تُسمع الحُدّاث قولاً حسنا ..... لو أرادوا غيره لم يُستمع

والأعصم هو الثور الوحشي الذي في يديه بياض، منازله في المرتفعات، سريع الجري شديد الحذر، يقول: إن حديثها كالرقية للنفس من حسنه وقوة تأثيره واستمالتها به من تحدثه فلا يملك إلا أن يميل إليها، حتى لو أنها حدثت الثور الأعصم المعروف بشدة حذره ونفوره من الإنس لنزل من أعلى الجبل؛ فكيف لا أستجيب لها ولا يستميلني حديثها.

فإذا كان هذا في تأثير بعض الأصوات والحروف المنتظمة في كلام الناس؛ فألفاظ القرآن أشدّ تأثيراً على من يفقه تناسبها وجرسها، ولذلك كان سلطانه على الأرواح بالرقية أعظم.



tg-me.com/aibndakhil/1677
Create:
Last Update:

#مسائل_علوم_القرآن |
السؤال: هل جَرْس ألفاظ القرآن من وجوه إعجازه؟ وما رأيك في تسمية ذلك بالإعجاز الصوتي؟

الجواب:
الحديث عن جرس الألفاظ وتناسبها وتأثيرها وصلة ذلك بطريقة الأداء تكتنفه صعوبات، وقد أحسن بعض العلماء والكتاب في الحديث عن بعض جوانبه، ولا يكاد يخلو الحديث عنه من خطأ وتكلّف، لكثرة الاعتماد فيه على التذوق، وهو مما يتعسّر ضبطه.
ولا يُنكر أن لجرس الألفاظ تأثيراً ملحوظاً، ولذلك فإنّ القرآن قد يسمعه الأعجمي الذي لا يحسن العربية فيُرى تأثره الشديد به.
ولو قيل: إن هذا مما يختص به القرآن لعُزي ذلك إلى ما أودع الله فيه من البركة والخصائص، وهذا أمر لا ينكر، لكن ليست هذه العلة، ودليل ذلك أن من الأشعار والأمثلة السائرة، والعبارات المؤثرة ما يحسّ بأثره الشديد في النفس،
ولا سيما ما يؤدّى بصوت مؤثر، فإن أثره على كثير من الأرواح يكون مشاهداً معلوماً ، وهو يشبه تأثير المعازف من وجه، وكان مما تكرر في أشعار العرب وصف شدّة تأثرهم بنوح الحمام:
قال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
ربّ ورقاء هتوف في الضحى ... قد صدحت من فَنَنٍ عن فنن
ربما أبــكــــى فلا أُفـهمـها ... وهي قـد تبــكي فلا تـفهمني
غـيـر أنـي بالجــوى أعـرفـها ... وهي أيضاً بالجوى تعرفني

وقال آخر:
ألا قاتل الله الحمامة غدوةً ... على الأيكِ ماذا هيّجت حين غنّت
تغنّت غناء أعجمياً فهيّجت ... جوايَ الذى كانت ضلوعي أكنّت

وقال حميد بن ثور الهلالي:
إذا شئتُ غنّتني بأجزاع بيشة .. أو النخل من تثليث أو من يَبَنْبَما
مطوّقة خطباء تصدح كلما .. دنا الصيف وانزاح الربيع وأنجما
عجبتُ لها أني يكون غناؤها .. فصيحاً ولم تفغر بمنطقها فما
فلم أر محزوناً له مثل صوتها .. ولا عربياً شاقَه صوتُ أعجما

ولعل من تفسير تأثير تلك الأصوات المتناغمة على النفس أنّ النفس كانت مكتنزة بمشاعر وأحاسيس اكتناز المآقي بالدمع الحائر؛ وهي تتطلّب التنفيس ولا تجد إليه سبيلاً؛ فكانت تلك النغمات سبيلاً للتنفيس،
ومستثيرة لدفائن النفس.
وممن أحسن التعبير عن هذا المعنى العوام بن عقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى حيث قال يبكي على امرأة كان يريدها؛ فماتت فتصبَّر عن البكاء عليها حتى سمع صوت حمامة تنوح فهيّجت ما في نفسه فبكى وأنشد يعاتب نفسه على البكاء:
أأن سجعت فى بطن وادٍ حمامةٌ ....... تجاوب أخرى ماء عينيك غاسق
كأنك لم تسمع بكاء حمامة ....... بليلٍ ولم يحزنك إلف مفارق
ولم تر مفجوعا بشئ يحبه ....... سواك ولم يعشق كعشقك عاشق
بلى فأفق عن ذكر ليلى فإنما ....... أخو الصبر من كف الهوى وهو تائق

ومثله قول عدي بن الرقاع العاملي
ومما شجاني أنني كنت نائماً ... أُعَلّلُ من فرطِ الجوى بالتنسّمِ
إلى أن دعت ورقاء في غصن أيكة ... تردّد مبكاها بحسن الترنم
بكتْ شجوها تحت الدجى فتساجمت ... إليها غروب الدمع من كل مسجم
فلو قبل مبكاها بكيتُ صبابة ... بسُعدى شفيتُ النفس قبل التندم
ولكن بكت قبلى فهيّج لي البكا ... بكاها فقلت: الفضل للمتقدم

وتُروى هذه الأبيات لنُصيب ولابن مقبل.

ومما ذكره المبرد في الكامل أنّ رجلاً من العرب سمع جارية فارسية تغنّي غناء فارسياً، ولم يفهم كلامها لكن وصف شدّة تأثّره بما سمع فقال:
حمدتُكِ ليلةً شرُفتْ وطابتْ ... أقام سهادُها ومضى كراها
سمعتُ بها غناء كان أولى ... بأن يقتادَ نفسي من عناها
إلى أن قال:
ومسمعةٍ يحار السمع فيها ... ولا تُصْمِمْه لا يَصْمُم صداها
مَرَت أوتارَها فشَفَت وشاقت ... فلو يسطيع حاسدُها فداها
ولم أفهمْ معانيَها ولكن ... وَرَت كبدي فلم أجهل شجاها
فكنتُ كأنني أعمى معنَّى ... بحبّ الغانيات وما يراها

فهذا الشاعر قد تأثر من جرس الألفاظ الأعجمية تأثراً شديداً لتناغمها على مسمعه، وأداء المغنيّة بصوتها الذي أشجاه.
وقد ذكر أبو هلال العسكري أن هذا الرجل هو أبو تمام.

وقال سويد بن أبي كاهل اليشكري في وصف امرأة حسنة الحديث:
وَدَعَتْني برُقاها إنها ..... تُنزل الأعصمَ من رأس اليَفَع
تُسمع الحُدّاث قولاً حسنا ..... لو أرادوا غيره لم يُستمع

والأعصم هو الثور الوحشي الذي في يديه بياض، منازله في المرتفعات، سريع الجري شديد الحذر، يقول: إن حديثها كالرقية للنفس من حسنه وقوة تأثيره واستمالتها به من تحدثه فلا يملك إلا أن يميل إليها، حتى لو أنها حدثت الثور الأعصم المعروف بشدة حذره ونفوره من الإنس لنزل من أعلى الجبل؛ فكيف لا أستجيب لها ولا يستميلني حديثها.

فإذا كان هذا في تأثير بعض الأصوات والحروف المنتظمة في كلام الناس؛ فألفاظ القرآن أشدّ تأثيراً على من يفقه تناسبها وجرسها، ولذلك كان سلطانه على الأرواح بالرقية أعظم.

BY قناة عبد العزيز بن داخل المطيري


Warning: Undefined variable $i in /var/www/tg-me/post.php on line 283

Share with your friend now:
tg-me.com/aibndakhil/1677

View MORE
Open in Telegram


قناة عبد العزيز بن داخل المطيري Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

How Does Bitcoin Mining Work?

Bitcoin mining is the process of adding new transactions to the Bitcoin blockchain. It’s a tough job. People who choose to mine Bitcoin use a process called proof of work, deploying computers in a race to solve mathematical puzzles that verify transactions.To entice miners to keep racing to solve the puzzles and support the overall system, the Bitcoin code rewards miners with new Bitcoins. “This is how new coins are created” and new transactions are added to the blockchain, says Okoro.

Telegram and Signal Havens for Right-Wing Extremists

Since the violent storming of Capitol Hill and subsequent ban of former U.S. President Donald Trump from Facebook and Twitter, the removal of Parler from Amazon’s servers, and the de-platforming of incendiary right-wing content, messaging services Telegram and Signal have seen a deluge of new users. In January alone, Telegram reported 90 million new accounts. Its founder, Pavel Durov, described this as “the largest digital migration in human history.” Signal reportedly doubled its user base to 40 million people and became the most downloaded app in 70 countries. The two services rely on encryption to protect the privacy of user communication, which has made them popular with protesters seeking to conceal their identities against repressive governments in places like Belarus, Hong Kong, and Iran. But the same encryption technology has also made them a favored communication tool for criminals and terrorist groups, including al Qaeda and the Islamic State.

قناة عبد العزيز بن داخل المطيري from jp


Telegram قناة عبد العزيز بن داخل المطيري
FROM USA